الصفحة الرئيسية  اقتصاد

اقتصاد تونس تتخطى حدود الشريك التقليدي وتفتح أبوابها للصين

نشر في  20 سبتمبر 2025  (16:44)

هيبا حميدي

تسعى الصين كقوة ضخمة صاعدة تنافس اقوى دولة في العالم، الى ربط جسور تواصل وانفتاح على القارة الافريقية التي تحظى بنظرة دونية من قبل القوى العظمى التقليدية التي تعتمدها كمصدر للثروات فقط، في حين تنظر الصين الى دول القارة السمراء كشريك استراتيجي يحقق الإفادة للطرفين.

وإذا ألقينا نظرة على شمال إفريقيا، نجد انّ العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وتونس، تطورت بوتيرة متسارعة، إذ أصبحت الصين واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسين لتونس، خاصة ان بلادنا تسعى الى الانفتاح على اسواق جديدة والخروج من المربع التقليدي الاوروبي الامريكي.

 وشهدت تونس في السنوات الاخيرة، وخاصة في فترة حكم الرئيس قيس سعيد تقاربا مع محور الصين وإيران وروسيا على مختلف الاصعدة.

وتُرجم هذا الانفتاح في زيارات رسمية رفيعة المستوى بين تونس والصين، أبرزها كانت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد الى بيكين صائفة العام الماضي، وما حملته هذه الزيارة من التأكيد المستمر على وجود شراكة إستراتيجية بين البلدين باعتبار التنين الصيني من أبرز المستثمرين في القارة الافريقية.

وإذا تحدثنا بمنطق الخوارزميات، فقد تُوجت الزيارة، بالتوقيع على 7 اتفاقيات تعاون منها  اتفاق تعاون اقتصادي وفني، مذكرة تفاهم حول انشاء فريق عمل للاستثمار، مذكرة تفاهم بشأن تقوية التعاون الانمائي والنهوض بتفعيل مبادرة التنمية العالمية، مذكرة تفاهم في مجال التنمية الخضراء ومنخفضة الانبعاثات الكربونية، اتفاق تعاون بين الإذاعة الوطنية التونسية والهيئة الصينية للإذاعة والتلفزيون، اتفاق تعاون بين وكالة تونس أفريقيا للأنباء ووكالة أنباء شينخوا الصينية، ومذكرة تفاهم بين التلفزة التونسية ومجموعة الصين للإعلام.

ولضمان نجاعة الانفتاح والشراكة على دول القارة السمراء أصبح منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC)، الذي يُعقد كل عامين، حجر الزاوية في العلاقات الصينية الافريقية، فمنذ إنشائه في عام 2000، كان هدف FOCAC هو تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين الصين والدول الأفريقية.

خارطة المبادلات التجارية لتونس: التنين الصيني يترأّس قائمة المزودين

تُعدّ الصين من أبرز الشركاء الاقتصاديين لتونس، إذ تطورت المبادلات التجارية بين البلدين بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة.

وفي آخر احصائيات رسمية لسنة 2025، تتربع الصين على قائمة الدول التي تزود تونس بالسلع وذلك بقيمة 5.5681.1 مليون دينار، تليها ايطاليا في المرتبة الثانية وفرنسا في المرتبة الثالثة.

 

* مصدر الرسم البياني: وزارة التجارة وتنمية الصادرات.

 الصين لاعب يرسم حضوره بقوة في القارة السمراء

في السنوات الاخيرة اصبحت الصين حاضرة بقوة في مختلف المشاريع الاستثمارية والاخرى المتعلقة بالبنى التحتية إطار مبادرة الحزام والطريق.

ومن المشاريع التي يجري العمل على تنفيذها في أقرب الآجال مع الشريك الصيني في تونس، مشروع مدينة الأغالبة الطبية بالقيروان التي تم تخصيص أرض لها تبلغ 550 هكتارا (الهكتار الواحد يساوي 10 آلاف متر مربع)، منها 300 هكتار للمباني والمنشآت، وستكون الأولى من نوعها بكلفة 3 مليارات دينار، إلى جانب مشاريع جسري بنزرت وجربة و"الحي الرياضي الأولمبي" بالمنزه في العاصمة، إضافة إلى وتوسيع مطار تونس قرطاج الدولي ومشروع السكة الحديدية التي تربط شمال البلاد بجنوبها.

كما أنّ إحدى الشركات الصينية المختصة في مجال الإسمنت، تعتزم شراء مصنع إسمنت في تونس، بقيمة تقدر بأكثر من مائة مليون دولار.

مساعٍ لتخفيف العجز التجاري بين البلدين

تسعى الصين الى منافسة اللاعب الإستراتيجي في القارة الإفريقية وهو الاتحاد الاوروبي وحليفته امريكا، وتراهن الصين على القارة السمراء باعتبارها غنية بالمعادن والموارد.

 في نشريّة حول مؤشرات التجارة الخارجية لتونس خلال السداسي الاول من سنة 2025، صادرة عن وزارة التجارة، تبين الارقام أنّ المبادلات التجاريّة مع أبرز الشركاء التجاريين، تسجّل عجز تجاريا قيمته 7524.1 مليون دينار، حيث قدرت قيمة الصادرات بـ 686.6 مليون دينار امام 87210.7 مليون دينار من الواردات.

ورغم اختلال الميزان التجاري لصالح الصين، كشف مركز النهوض بالصادرات أن صادرات تونس إلى الصين تشهد نموا سنويا يصل إلى 5 بالمائة في المتوسط، مما يعكس الفرص الكبيرة المتاحة في هذه السّوق الضخمة.

 

*مصدر الرسم البياني: وزارة التجارة وتنمية الصادرات

تسعى تونس الى تذليل العقبات لتجاوز هذا العجز التجاري، ومزيد تعميق الشراكة مع  التنين الصيني لبناء علاقات استراتجية بين البلدين.

ووقعت تونس والصين مذكرة تفاهم مع مجموعة “Wuhan Financial Holding”، لتعزيز التعاون في التجارة، الاستثمار، اللوجستيك، وأسفرت هذه المذكرة على التعاون في مجال المناطق الحرة، خصوصاً في ما يتعلق بالمنطقة الحرة ببنقردان، التي تتميز بموقع استراتيجي قرب الموانئ والمطارات، وقد تم اقتراح إنشاء منصة تجارية لوجستية خاصة بمجموعة "Wuhan Financial Holding" داخل هذه المنطقة لتيسير إعادة التصدير نحو ليبيا ومنها إلى الأسواق الإفريقية، ودعم تصدير المنتجات التونسية نحو السوق الصينية، عبر اختيار الشركات والمنتجات التونسية المطابقة لمتطلبات السوق الصينية، مع إمكانية دعم عمليات استيراد المنتجات الصينية اللازمة للسوق التونسية، ومرافقة فنية للشركات التونسية لتحسين إجراءات استيراد المعدات الفلاحية، وتصميم أغلفة حديثة لمنتجات مثل الشاي، الأرز والسكر بما يتماشى مع المعايير التقنية الدولية، ...

ومؤخرا، أعربت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، فاطمة ثابت شيبوب عن أملها في تعزيز التعاون مع الصين في مجال صناعة السيارات، وذلك خلال وضع حجر الأساس لشركة صينية لقطع غيار السيارات (شركة "جيتي" السيارات في ولاية بن عروس).

واعتبرت خلال حفل وضع حجر الأساس، أن صناعة السيارات العالمية تشهد حاليًا تحولات كبيرة، وأن الصين رائدة عالميًا في إنتاج المركبات التي تعمل بالطاقة الجديدة، مضيفة أن افتتاح هذه الشركة الممولة من الصين يمثل خطوة جديدة إلى الأمام في التعاون الصناعي بين البلدين، مؤكدة أن تونس ستبذل قصارى جهدها لتمهيد الطريق أمام المزيد من الشركات الصينية للاستثمار في تونس.

متابعة تنفيذ بنود الشراكة التونسية الصينية من اجل مشاريع رائدة

يعتبر عديد الخبراء أنّ اختلال الميزان التجاري بين تونس والصين، عائد الى القوانين والتشريعات التونسية التي لا تُمكّن من جذب مشاريع بصفة مباشرة، والتي كانت عائقا أمام الاستثمارات الصينية، ولحلحلة هذه التحديات ،  التقى كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، خلال أوائل شهر سبتمبر الجاري ، سفير جمهورية الصين الشعبية بتونس، لمتابعة تنفيذ بنود الشراكة الاستراتيجية بين تونس والصين، وللتباحث بخصوص عدد من المواضيع المتعلّقة بمتابعة تنفيذ توصيات ومخرجات قمّة منتدى التعاون الصيني الإفريقي والعمل على تسهيل ولوج المنتجات التونسية إلى السوق الصينية، والنظر في مزيد إثراء الاطار القانوني الذي ينظم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين بما يساهم في دعم الصادرات التونسية إلى الصين.

تونس تجذب السائح الصيني

أصبحت تونس وجهة السائح الاسيوي، حيث كشف ممثل الديوان الوطني للسياحة التونسية ببكين، الصين، أنور الشتوي، أن عدد السياح الصينين الوافدين إلى تونس ارتفع ما بين جانفي وجويلية 2025 بنسبة 15.3 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من سنة ،2024 والتي سجلت استقبال البلاد زهاء 24 ألف سائح لكن الربط الجوي يعد أمرا ضروريا لدفع هذا النشاط.

وأضاف الشتوي لوكالة الانباء الرسمية "وات"، أن عدد السياح الذين قدموا من الصين الى تونس خلال شهر جويلية 2025 سجل زيادة بنسبة 30.9 بالمائة عن نظيره من العام الماضي وذلك على الرغم من صعوبات التنقل في ظل عدم توفر خط جوي مباشر.

تسجل الصين حضورها في الاقتصاد التونسي بمتخلف تفرعاته، وتسعى الى تحقيق شراكة أكثر فاعلية ونجاعة، فيما تعمل تونس على خلق مناخ قانوني ملائم يحفز على الاستثمار الخارجي ويحافظ على سيادتها وثرواتها .